فصل: قال السمين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

{قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي: خالقهما: {قُلِ اللّهُ} أمر بالجواب من قِبَلِهِ صلى الله عليه وسلم؛ إشعارًا بتعينه للجواب، فهو الخصم في تقريره سواء. أو أمره بحكاية اعترافهم؛ إيذانًا بأنه أمر لابد لهم منه. كأنه قيل: احك اعترافهم، فبكتهم بما يلزمهم من الحجة: {قُلْ} أي: إلزامًا لهم وتبكيتًا: {أَفَاتَّخَذْتُم مِّنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أي: أبعد أن علمتموه رب السماوات والأرض عبدتم من دونه غيره، فجعلتم ما كان يجب أن يكون سبب التوحيد من علمكم وإقراركم سبب الإشراك؟ أفاده الزمخشري.
{لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا} أي: لا يقدرون على نفع أنفسهم ولا على دفع الضر عنها، فكيف يستطيعونه لغيرهم؟! فإذن عبادتهم محض العبث والسفه!: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} لما بيَّن ضلالهم وفساد رأيهم في الحجة المذكورة؛ بيَّن أن الجاهل بها يكون كالأعمى، والعالم بها كالبصير، والجهل بمثلها كالظلمات، والعلم بها كالنور. وكما أن كل أحد يعلم بالضرورة أن الأعمى لا يساوي البصير، والظلمة لا تساوي النور، كذلك كل أحد يعلم بالضرورة أن الجاهل بهذه الحجة لا يساوي العالم بها: {أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاءَ} أي: بل أجعلوا، والهمزة للإنكار، وقوله: {خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ} صفة لـ {شركاء} داخلة في حكم الإنكار: {فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} أي: خلق الله وخلقهم. والمعنى: أنهم ما اتخذوا لله شركاء خالقين مثله حتى يتشابه عليهم الخلق، فيقولوا: هؤلاء خلقوا كما خلق الله فاستحقوا العبادة كما استحقها، ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق، فضلًا عما يقدر عليه الخالق.
قال الناصر: وفي قوله تعالى: {خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ} في سياق الإنكار، تهكم بهم؛ لأن غير الله لا يخلق خلقًا البتة، لا بطريق المشابهة والمساواة لله، تقدس عن التشبيه، ولا بطريق الانحطاط والقصور، فقد كان يكفي في الإنكار عليهم، أن الشركاء التي اتخذوها لا تخلق مطلقًا، ولكن جاء في قوله تعالى: {كَخَلْقِهِ} تهكم يزيد الإنكار تأكيدًا!.
{قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} أي: لا خالق غير الله، ولا يستقيم أن يكون له شريك في الخلق، فلا يكون له شريك في العبادة!: {وَهُوَ الْوَاحِدُ} أي: المتوحد بالربوبية: {الْقَهَّارُ} الذي لا يغالبُ، وما عداه مربوب ومقهور!. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا}: {أم} للإضراب الانتقال في الاستفهام مقابل قوله: {أفأتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا}، فالكلام بعد {أم} استفهام حذفت أداته لدلالة {أم} عليها.
والتقدير؛: {أم جعلوا لله شركاء}. والتُفت عن الخطاب إلى الغيبة إعراضًا عنهم لما مضى من ذكر ضلالهم. والاستفهام مستعمل في التهكم والتغليط.
فالمعنى: لو جعلوا لله شركاء يخلقون كما يَخلق الله لكانت لهم شبهة في الاغترار واتخاذهم آلهة، أي فلا عذر لهم في عبادتهم، فجملة: {خلقوا} صفة ل: {شركاء}. وشِبْه جملة: {كخلقه} في معنى المفعول المطلق، أي خلقوا خلقًا مثل مَا خلق الله. والخلق في الموضعين مصدر.
وجملة: {فتشابه} عطف على جملة: {خلقوا كخلقه} فهي صفة ثانية ل: {شركاء}، والرابط اللام في قوله: {الخلق} لأنها عوض عن الضمير المضاف إليه.
والتقدير: فتشابه خلقهم عليهم. والوصفان هما مصب التهكم والتغليط.
وجملة: {قل الله خالق كل شيء} فذلكة لما تقدم ونتيجة له، فإنه لما جاء الاستفهام التوبيخي في: {أفاتخذتم من دونه أولياء} [سورة الرعد: 16] وفي {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه} كان بحيث ينتج أن أولئك الذين اتخذوهم شركاء لله والذين تبين قصورهم عن أن يملكوا لأنفسهم نفعًا أو ضرًا، وأنهم لا يخلقون كخلق الله إن هم إلا مخلوقات لله تعالى، وأن الله خالق كل شيء، وما أولئك الأصنام إلا أشياء داخلة في عموم: {كل شيء}؛ وأن الله هو المتوحد بالخلق، القهّار لكل شيء دونه.
ولتعين موضوع الوحدة ومتعلق القهر حذف متعلقهما. والتقدير: الواحد بالخلق القهّار للموجودات. والقهر: الغلبة، وتقدم عند قوله تعالى: {وهو القاهر فوق عباده} في سورة الأنعام [18]. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الواحد القهار}.
أشار تعالى: في هذه الآية الكريمة إلى أنه هو المستحق لأن يعبد وحده لأنه هو الخالق ولا يستحق من الخلق أن يعبدوه إلا من خلقهم وأبرزهم من العدم إلى الوجود لأن المقصود من قوله: {أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ} [الرعد: 16] إنكار ذلك وأنه هو الخالق وحده بدليل قوله بعده: {قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} أي خالق كل شيء هو المستحق لأن يعبد وحده ويبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله: {واتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الفرقان: 3] الآية وقوله: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الأعراف: 191] وقوله: {هذا خَلْقُ الله فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الذين مِن دُونِهِ} [لقمان: 11] إلى غير ذلك من الآيات لأن المخلوق محتاج إلى خالقه فهو عبد مربوب مثلك يجب عليه أن يعبد من خلقه وحده كما يجب عليك ذلك فأنتما سواء بالنسبة إلى وجوب عبادة الخالق وحده لا شريك له. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} و{قل} هي أمر للرسول أنْ يقول للكافرين، وهناك في آيات أخرى يقول سبحانه: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله فأنى يُؤْفَكُونَ} [الزخرف: 87]
ولقائل أن يسأل: لماذا جاء الحق سبحانه هنا بالإجابة؛ ولم يتركْها لتأتي منهم؟
ونقول: إن مجيء الإجابة من الحق هنا عن الذي خلق السماوات والأرض أقوى مِمّا لو جاءت الإجابة منهم.
والمثل من حياتنا؛ ولله المَثَل الأعلى؛ قد تقول لابنك الصغير المُتَشاحِن مع أخيه الكبير: مَنِ الذي جاء لك بالحُلَّة الجديدة؟ فيرتبك خجلًا؛ لأنه يعلم أن مَنْ جاء له بالحلة الجديدة هو أخوه الأكبر الذي تشاحن معه؛ فتقول أنت: جاء لك بها أخوك الأكبر الذي تشاحنتَ معه.
وهنا لحظة أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ما أمره الله أن يقول: {قُلْ مَن رَّبُّ السماوات والأرض...} [الرعد: 16]
فسوف يرتكبون؛ فيؤكد لهم بعد ذلك ما أمره الله أن يقول: {قُلِ الله...} [الرعد: 16]
ويتتابع أمر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فيقول له الحق سبحانه: {قُلْ أفاتخذتم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا...} [الرعد: 16]
وهكذا يكشف لهم الرسول ببلاغ الحق سبحانه مدى جهلهم؛ وهم مَنْ سبق لهم الاعتراف بأن الله هو خالق السماوات والأرض؛ ولم يجرؤ واحد منهم على أن ينسب خَلْق السماوات والأرض للأصنام.
وهنا يوضح لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمر الحقُّ سبحانه بإيضاحه: لقد خلق الله السماوات والأرض أفبعد ذلك تتخذون من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعًا؛ ولا ضرًا؟ بدليل أن الصنم من هؤلاء لا يقدر لهم على شيء.
ويتابع الحق سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظلمات والنور أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ...} [الرعد: 16]
وبطبيعة الحال لا يمكن أن يستوي الأعمى بالمبصر.
وساعة ترى أَمْ اعلم أنها ضَرْب انتقالي، وهكذا يستنكر الحق ما فعلوه بالاستفهام عنه؛ لأنه شيء مُنْكر فعلًا: {أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ...} [الرعد: 16]
أي: لو كان هؤلاء الشركاء قد خلقوا شيئًا مثل خَلْق الله؛ لَكَان لهم أنْ يعقدوا مقارنة بين خَلْق الله وخَلْق هؤلاء الشركاء؛ ولكن هؤلاء الشركاء الذين جعلوا مشاركين لله في الألوهية لا يَقْدرون على خَلْق شيء؛ فكيف يختارونهم شركاء لله؟
ويأتي الأمر من الحق سبحانه: {... قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الواحد القهار} [الرعد: 16]
وفي آية أخرى يُقدِّم الحق سبحانه تفسيرًا لتلك الآية: {إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن يَخْلُقُواْ ذُبَابًا وَلَوِ اجتمعوا لَهُ...} [الحج: 73]
فهؤلاء الشركاء لم يخلقوا شيئًا، ولن يستطيع أحد الإدعاء بأن هؤلاء الشركاء عندهم نية الخَلْق، ولكن مجيء {لن} هنا يُؤكد أنهم حتى بتنبيههم لتلك المسألة؛ فَلَسوف يعجزون عنها؛ لأن نَفْي المستقبل يستدعي التحدِّي؛ رغم أنهم آلهة متعددة؛ ولو اجتمعوا فلن يخلقوا شيئًا.
يستمر التحدي في قوله سبحانه: {... وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطالب والمطلوب} [الحج: 73]
أي: لو أخذ الذباب بساقه الرفيعة شيئًا مِمَّا يملكون لَمَا استطاعوا أن يستخلصوه منه.
وهكذا يتضح أن الحق سبحانه وحده هو الخالق لكُلِّ شيء؛ وتلزم عبادته وحده لا شريكَ له؛ وهو جَلَّ وعَلا المتفرِّد بالربوبية والألوهية؛ وهو القهار المتكبر؛ والغالب على أمره أبدًا، فكيف يكون مَنْ دونه مساويًا له؟
لذلك لا شريك له أبدًا. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} أخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال: قالوا يا رسول الله، إنا نكون عندك على حال، فإذا فارقناك كنا على غيره، فنخاف أن يكون ذلك النفاق. قال: كيف أنتم وربكم؟ قالوا: الله ربنا في السر والعلانية. قال: كيف أنتم ونبيكم؟ قالوا: أنت نبينا في السر والعلانية. قال: ليس ذاكم بالنفاق.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله: {هل يستوي الأعمى والبصير} قال: المؤمن والكافر.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه: {قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور} قال: أما الأعمى والبصير، فالكافر والمؤمن. وأما الظلمات والنور، فالهدى والضلال.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} قال: {خلقوا كخلقه} فحملهم ذلك على أن شكوا في الأوثان.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه} قال: ضربت مثلًا.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله تعالى: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه} قال: فأخبرني ليث بن أبي سليم، عن ابن محمد، عن حذيفة بن اليمان، عن أبي بكر إما حضر ذلك حذيفة من النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر، وإما حدثه إياه أبو بكر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل. قال أبو بكر: يا رسول الله، وهل الشرك إلا ما عُبِدَ من دون الله، أو ما دعي مع الله؟!... قال: ثكلتك أمك.... الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، ألا أخبرك بقول يذهب صغاره وكباره؟ أو قال: لصغيره وكبيره؟ قال: بلى. قال: تقول كل يوم ثلاث مرات: اللهم اني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، واستغفرك لما لا أعلم. والشرك، أن تقول أعطاني الله وفلان والند، أن يقول الإِنسان: لولا فلان، قتلني فلان».
وأخرج البخاري في الأدب المفرد، عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: انطلقت مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أبا بكر، للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، فقال أبو بكر رضي الله عنه وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلهًا آخر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب قليله وكثيره؟ قل اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، واستغفرك لما لا أعلم». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} وقرأ الأخَوان وأبو بكر عن عاصم {يَسْتوي} بالياء من تحتُ، والباقون بالتاء من فوق، والوجهان واضحان باعتبار أنَّ الفاعلَ مجازيٌّ التأنيث، فيجوز في فِعْله التذكيرُ والتأنيثُ، كنظائرَ له مرَّتْ.
وقوله: {أَمْ هَلْ} هذه: {أم} المنقطعةُ، فتتقدَّر ب بل والهمزةِ عند الجمهور، وببل وحدَها عند بعضهم، وقد تقدَّم ذلك محرِّرًا، وقد يَتَقَوَّى بهذه الآيةِ مَنْ يرى تقديرَها ببل فقط بوقوع: {هَل} بعدها، فلو قَدَّرْناها ببل والهمزةِ لزم اجتماعُ حرفَيْ معنى، فَتُقَدِّرها ببل وحدها ولا تقويةَ له، فإنَّ الهمزةَ قد جامَعَتْ هل في اللفظ كقول الشاعر:
-........................ ** أهلْ رَأَوْنا بوادِي القُفِّ ذي الأَكَمِ

فَأوْلَى أن يجامِعَها تقديرًا. ولقائلٍ أن يقول: لا نُسَلِّمُ أنَّ هل هذه استفهاميةٌ بل بمعنى قد، وإليه ذهب جماعةٌ، وإن لم يجامِعْها همزةٌ كقولِه تعالى: {هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ} [الإِنسان: 1]، أي: قد أتى، فهنا أَوْلى، والسماعُ قد رَوَدَ بوقوع هل بعد أم وبعدمِه. فمِنَ الأوَّلِ هذه الآيةُ، ومن الثاني وما بعدها مِنْ قولِه: {اَمْ جَعَلوا}، وقد جمع الشاعرُ أيضًا بين الاستعمالين في قوله:
هل ما عَلِمْتَ وما استُودِعْتَ مكتومُ ** أم حَبْلُها إذ نَأَتْكَ اليومَ مَصْرومُ

أَمْ هَلْ كبيرٌ بكَى لم يَقْضِ عَبْرَتَه ** إثرَ الأحبَّةِ يومَ البَيْنَ مَشْكُومُ

والجملةُ من قوله: {خَلَقوا} صفةٌ لشركاء. اهـ.